ركز لتنجز

حين بدأت بكتابة المقال الذي تقرأه الآن عزيزي القارئ، قمت بخط الكلمات الأولى على صفحة صغيرة لا يصل عرضها الى عشرة سنتيمترات. لاحظت البطء في انسياب الحروف فأنا لم أوفر لها المساحة الكافية لتجري بانسيابية. انتقلت حينها للكتابة على شاشة الحاسب الآلي مباشرة ليسهل علي النشر لاحقا. لم اكتفي بتوفير المساحة المادية وانما أيضا المساحة العقلية. وهذا هو موضوع المقال.

في خضم أعمالنا اليومية، قد نفقد السيطرة على زمام الأمور ونضيع وسط أشغالنا، فنعود بخفي حنين. ولكن ما هو السبب الرئيسي خلف الشح في الانجاز؟ هل العدد الهائل من المهام والخطط هو السبب ام افتقاد المهارات اللازمة هو العائق امام الإنجاز؟

 اعتمادا على تجربتي في التخطيط والانجاز، تيقنت ان التركيز هو اكبر محفز للإنجاز. حين تكون بصدد البدء بمهمة معينة، سواء كانت مهمة على المستوى العقلي او الجسدي فأنت بحاجة ماسة للتركيز قبل كل شيء.

“؟ماذا اعني بالتركيز”

انا الآن اكتب المقال ولا افكر سوى بالكلمات التي تتناسب مع الفكرة التي أقوم بطباعة حروفها. قد تكون هناك بعض الأصوات من حولي ولكنني لا اعيرها أي اهتمام. جل اهتمامي منصب على إتمام الكتابة من اجل نشر المقال لاحقا. لهذا فأذني لا تسمع سوى صوت الكلمات التي ينطقها تفكيري.

 انا استشعر الحروف بقلبي. تركت كل ما تحويه حياتي من مشاغل لساعة معينة وأصبحت الكتابة هي الروح والقلب والمقل. انا اتنفس المعاني واخطها بعزم وتفاني. لا انكث بوعدي الذي اتخذته مع الكتابة. هي الآن غيمة ماطرة وسط السحب الشحيحة. ولانني أعيش الكتابة الآن فليست هناك نية للانتقال الى مهمة أخرى حتى انهي سكب كل ما بخاطري وكل ما يمليه علي عقلي.

تيقن عزيزي القارئ انه مهما كنت مشاغل الحياة فالانجاز لا يتأتى دون التركيز والبعد عن التشتيت. وحين اتحدث عن التشتيت فأنا لا اعني المحسوس فقط، وانما المشتتات العقلية التي تطرق أبواب تفكيرنا وقت انغماسنا في اعمالنا اليومية.

لقد طرحت الكتابة كمثال بسيط لإيضاح ما اعنيه ولكن كل المهام أيا كانت ماهيتها بحاجة للتركيز لكي تتم بالوجه الذي نبتغيه. اكمل رسم لوحتك وانت تراها بعين عقلك وتتنفسها بريشتك. اعطي الوصفة التي انت على وشك طبخها كل تركيزك ولا ترى سوى شكلها النهائي على طاولة الطعام. اقرأ هذا المقال حين يكون تفكيرك خال من أي مهمة أخرى وانبذ الانشغال بأي عمل آخر حتى تنتهي منه.